فاهم اللي يصير داخلي… بس مو متصالح معاه
وعي بلا راحة
أعرف شنو" قاعد يصير بداخلي.
مو من نوع “أحس بشي وما أعرفه”… لا، أعرفه زين.
أعرف شنو سبّب هذا التعب، وشلون انبنى شوي شوي.
أعرف الخوف منين طلع، وأعرف متى بدت ثقتي تنهز…
وأعرف إن حزني مو جديد، بس متراكم.
بس رغم هذا كلّه، ما أرتاح.
يعني أعرف… بس ما متصالح.
أوصّف شعوري بدقّة، بس يبقى يوجع.
أستوعب ليش ضايج، بس الضيج بعده يثقل.
وهنا يطلع سؤال أخطر من التعب نفسه:
هل الفهم يريح؟
وإذا فعلاً يريح… ليش كل ما فهمت أكثر، تعبني أكثر؟
كلشي بداخلي مكشوف، بس التعب ما راح، ولا قلّ.
وكأن الإدراك وحده مو كافي…
وكأن الصدق مع النفس، ما يجي دوم براحة.
يمكن لأن الوعي ما يهدّينا… بل يخلينا نسمع اللي كنا نسكته من زمان.
لما الفهم يزيد الحمل بدال ما يخفّفه
من نسمع عن الذكاء العاطفي، نتخيله كأنه حل.
كأنه الأداة اللي راح تفكّنا من الحيرة، وتخلينا نتحكّم بمشاعرنا.
بس مرات، الفهم يصير عبء.
كل ما وعيت على سبب شعوري، زاد ثقله.
كل ما حلّلت الموقف، زاد انفعالي.
كأن الإدراك صار مرآة أكبر… تعكس كلشي، حتى اللي كنت متغاضي عنه.
يصير عندك وعي… بس ما تعرف وين تروّح بيه.
تبقى تحوم حول نفس الفكرة، تحلّل وتحلّل، بس بلا نتيجة.
وتتعب.
مو لأنك تجهل، بل لأنك عرفت أكثر مما تتحمّل.
وهنا المفارقة:
الوعي بدون تعاطف، يوصلنا لمكان أبرد من الجهل.
تحس إنك ما تستحق تنفجر… لأنك تعرف السبب.
ما تستحق تنهار… لأنك واعي.
ما يصير تزعل… لأنك “فاهم كلشي”.
بس الفهم مو إذن بالكبت.
مو معنى إنك تعرف السبب… لازم تسكت عن الأثر.
في لحظة معينة، صار الوعي عندي مثل حمل زايد.
ما داويني… بس خلاني أشوف كلشي من دون ما ألاكه حضن.
كلّما فسّرت شعوري، شعرت كأنّي أبعد عنه أكثر.
وهنا بدأ سؤال ثاني:
هل أنا فعلاً أحتاج أفهم أكثر… أو أحتاج أحنّ أكثر؟
اقتباس :
Daniel Goleman في كتابه Emotional Intelligence يوضح أن المشاعر السلبية كالقلق والضغط تستهلك موارد الدماغ وتعيق التعلّم والتركيز، حتى لو كان الشخص "واعيًا" لما يشعر به.
صراع بين صوتين العارف والرافض
بداخلي صوتين. واحد يشرح، والثاني يصرخ.
صوت واعي، يربط كل شعور بجذره، يحلل، يهدّئ، يفهم.
وصوت متأذي، ما يريد تفسير… يريد بس يسمعه أحد.
وهذا الصراع مو لأن أحدهم غلط.
بل لأن الاثنين صح… بس ما دا يلتقون.
الصوت الأول يقول:
“أنت تدري شنو سبب ألمك، إذًا تعامل وياه بهدوء.”
الصوت الثاني يرد:
“أنا مو بحاجة لتحليل… أنا بحاجة حضن.”
أوقات أحس إنّي واعي فوق اللزوم.
أفهمني، بس ما أعرف أواسي نفسي.
أتكلم عن ألمي بصوت العارف… لكن داخلي يظل ساكت، ما ارتاح.
التحليل ينطيني لغة… بس ياخذ منّي الإحساس.
مرات أحس إنّي أترجم مشاعري… بدال ما أعيشها.
وهنا يجي سؤال يمكن صعب، بس صادق:
هل الذكاء العاطفي صار طريقتي بالهروب؟
هل تحليلي لكل شعور… هو محاولة حتى ما أعيشه فعليًا؟
هل فهمي السريع… هو وسيلتي حتى ما أتورّط؟
لأن مرات، نحلّل بدال ما نحس.
نحكي بصوت العارف، حتى ما نسمع صوت المتأذي.
واللهفة مو دايم تكون على الفهم…
أحيانًا هي لهفة للهروب من الشعور نفسه.
هذا المحور يعكس أحد الانتقادات الحديثة لفهم الذكاء العاطفي بطريقة "عقلانية بحتة"، ويعيد ربطه بـ "الرحمة الداخلية" وهي فكرة بدأت تظهر في دراسات حديثة تربط الوعي العاطفي بالتعاطف الذاتي لا بالتحليل الزائد فقط.
الذكاء العاطفي المُرهِق
الكل يمدح الذكاء العاطفي.
يقولون هو الخطوة الأولى للفهم، والوعي، والعلاقات الصحية.
بس قليل يحكون عن وجهه الثاني:
لما يتحوّل من أداة للفهم… إلى عبء داخلي.
مو لأن الذكاء غلط، ولا لأن الشعور ضعف.
بس لأنّا بشر، مو تحليل مستمر.
كل لحظة أحاول أكون واعي، أكون حاضر، أكون فاهم…
يضيع منّي شي بسيط:
إنّي أكون إنسان يحقّ له يحس، حتى لو ما حلّل كلشي بعده.
أحيانًا، الذكاء العاطفي يصير زيّ رسمي نلبسه كل لحظة.
بس التعب يطلع من تحت القماش، من المساحات اللي ضيّقناها على نفسنا.
توصّلني فكرة حزينة:
إنّي ما أقدر أعيش حزني بشكل خام…
لازم أوّلاً أفهمه، وأشرح سببه، وأتأكد إن ردّتي محسوبة.
وإذا انفعلت؟ أعاتب نفسي.
إذا بكيت؟ أحس إني ضعّفت كل شغلي على “الوعي”.
صرت أشوف إن الذكاء العاطفي، لما ينفصل عن التعاطف،
يصير صوت ينتقدني بلغة مهذّبة.
ويمكن… يمكن أحتاج أتعامل وياه كأداة، مو كهوية.
أستخدمه لما يفيدني… بس ما أخليّه يصادر إنسانيّتي.
في Emotional Intelligence، يشير جولمان إلى أن فهم المشاعر لا يعني السيطرة الفورية عليها. الفهم هو بداية العلاقة… لا نهاية المعركة.
من المصارحة إلى المصالحة
ما يكفي أقول لنفسي “أفهمك”… إذا ما حضنتها.
ما يكفي أعرف شعوري… إذا ما أعطيه مكان يعيش بيه بدون خوف.
المصالحة مو معناها أنسى، أو أبرر، أو أبرّد مشاعري.
المصالحة معناها: أقبل إنّو الشعور موجود،
حتى لو ثقيل، حتى لو متناقض.
وأحيانًا، كل اللي أحتاجه هو هالاعتراف البسيط:
أنا تعبان، بس مو خربان.
أنا أحس، بس مو غرقان.
أنا واعي، بس بعدني إنسان.
أحاول أتعامل ويّاي بلُطف.
أسمعني مو كقاضٍ، بل كصديق.
أقلّ على نفسي:
“آني وياك، حتى لو ما فهمتك للنهاية.”
ويمكن أول خطوة للمصالحة، مو نحلّ الشعور… بل نخليه ياخذ نفس.
مو دايم نحتاج نداوي الألم فورًا.
مرات نحتاج نطيّه إذن يبقى شوية، بدون لوم.
لأن النفس اللي تتعلّم تتصالح… تتنفس من جديد.
وتصير أقرب، مو أوعى بس.
فكرة “self-compassion” كما طرحتها Kristin Neff تعتبر الامتداد الطبيعي للذكاء العاطفي:
أن نعامل أنفسنا بالرحمة لا بالتحليل، وقت التعب، لا وقت الجدارة فقط.
لو تقرأ بس هالجزء… خذ نفس
ما أريد أوصل لـ "حل"، ولا أقدّم طريقة سريعة لـ "التجاوز".
أريد أقول شيء بسيط، بس يمكن ناسيه:
إنك واعي، ما يعني إنك بخير.
وإنك تحلل نفسك، ما يعني إنك تجاوزت.
وإنك عرفت السبب، ما يعني انتهى الأثر.
الذكاء العاطفي مو جدار واقٍ، ولا صوت مثالي.
هو أداة… نستخدمها، ونحطها يمّنا لما تتعبنا.
ما مطلوب منك تجاوب على كل سؤال داخلك.
يكفي أحيانًا تقول لنفسك:
“أنا سامعك، حتى لو ما فهمتك تمام.”
يمكن المصالحة ما تبدأ من الفهم… بل من القبول.
ويمكن الراحة ما تجي بعد التحليل…
بل بعد لحظة صدق تقول فيها:
أنا واعي… بس بعدني أتعلم أكون طيّب ويا نفسي.
أن النمو يبدأ من الاعتراف بعدم الكمال، مو من الهوس بالكفاءة.

